E/CN.6/2008/1. البند 3 (أ) من جدول الأعمال المؤقت*
متابعة نتائج المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة والدورة الاستثنائية الثالثة والعشرين للجمعية العامة المعنونة " المرأة عام 2000: المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين": تنفيذ الأهداف الإستراتيجية والإجراءات الواجب اتخاذها في مجالات الاهتمام الحاسمة واتخاذ مزيد من الإجراءات والمبادرات: التمويل من أجل المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة
بيان مقدم من الطائفة البهائية الدولية، وهي منظمة غير حكومية ذات مركز استشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي
تلقى الأمين العام البيان التالي، الذي يجري تعميمه وفقا للفقرتين 36 و 37 من قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 1996/31.
بيان تعبئة الموارد المؤسسية والقانونية والثقافية لتحقيق المساواة بين الجنسين
لقد تبين بوضوح ما تقوم به الفتيات والنساء في تنمية أسرهن ومجتمعاتهن المحلية وبلدانهن من دور مركزي: فالمرأة هي المعلم الأول للجيل القادم؛ ولتعليمها أثر هائل على رفاه الأسرة المادي والاجتماعي والثقافي؛ واشتراكها في الاقتصاد يزيد من الإنتاجية ويشجع النمو الاقتصادي؛ وقد ارتبط حضورها في الحياة العامة بالحكم الرشيد وبتدني مستويات الفساد. بيد أنه لا يوجد إلى حد الآن بلد حقق مساواة كاملة بين الجنسين. وفي حين تتحمل المرأة أشد تكاليف هذا الاختلال المتواصل، فإن جميع أشكال تقدم المجتمع البشري تتعثر عندما يُمنع نصف سكان العالم من تحقيق أقصى إمكاناته. وقد شهدت العقود الأخيرة وضع وثائق معلمية تحدد حقوق المرأة، وتدعو إلى وضع حد لجميع أشكال التمييز ضدها، وتجمل الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز المساواة بين الجنسين. و لاشك أن التنفيذ المنتظم لتلك التدابير يتطلب إعادة نظر متأنية في أولويات الميزانية وعملياتها. بيد أن تمويل هذه الجهود ليس سوى جزء من المعادلة. ومثلما أشارت الطائفة البهائية الدولية في بيانها إلى الدورة الحادية والخمسين للجنة وضع المرأة، فإن هناك فرقا هائلا لا يزال يفصل بين الجهاز القضائي والثقافة - التي تجسمها في القيم والمعايير المؤسسية - ينبغي التغلب عليه لكي تتحقق المساواة بين الجنسين. وسيتطلب النهج الشامل في تمويل المساواة بين الجنسين معالجة هذه المجموعة المتنوعة من العراقيل الثقافية والمؤسسية والقانونية التي تعوق تلبية الاحتياجات الملحة لنصف سكان العالم. وإننا، من هذا المنظور، نقترح على الحكومات ثلاثة تدابير لتنظر فيها: (أ) اعتماد منظور طويل الأجل تهتدي به الجهود القصيرة والمتوسطة الأجل الرامية إلى تمويل المساواة بين الجنسين؛ (ب) استخدام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في تقييم الميزانيات الوطنية؛ (ج) الاستفادة من المنظور الديني والمؤسسات الدينية.
اعتماد منظور طويل الأجلولوضع تصور متماسك ومقنع للمساواة بين الجنسين، سيكون القادة بحاجة إلى الابتعاد عن طريقة العمل الذي تغلب عليها ردود الفعل والتحرك عند حدوث الأزمات. والى جانب الأهداف القصيرة الأجل، سيكونون بحاجة إلى وضع السياسات من منظور طويل الأجل لا تقيّده العراقيل الفكرية التي تتسم بها الدورات الانتخابية. وكثيرا ما يقع الاقتصار على الأهداف القصيرة الأجل فريسة للمعايير الدنيا، والتوجهات الضيقة الأفق والحلول الوسط. أما التوجه الطويل الأجل الذي يخطط لجيل أو جيلين أو أكثر، فإنه يسمح للحكومات باستكشاف مجموعة أوسع من السياسات والخيارات البرنامجية والنظر في مجموعة متنوعة من المساهمات، منها مساهمات الهيئات غير الحكومية، وأوساط الأعمال والقطاعين الأكاديمي وغير الرسمي. والعمادة الأولى للمنظور الطويل الأجل هو توافق الآراء بشأن الأهداف الإنمائية العامة والنتائج المنشودة. والحكومات بحاجة إلى وضع أهداف المساواة بين الجنسين من زاوية رفاه المجتمع ككل: فتيانا وفتيات ورجالا ونساء؛ ومن زاوية سلامه وأمنه وصحته ورفاهه، وتقدمه الاقتصادي واستدامته البيئية ومؤسسات حكمه. وتشمل العمادة الثانية للنهج الطويل الأجل تنطوي قياس التقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف المحددة. وحتى في الحالات التي يكون فيها البلد حساسا للبعد الجنساني، فإنه كثيرا ما لا تكون له أدوات وأجهزة الرصد الكافية لقياس أثر سياساته على الفتاة والمرأة. ولذلك فلا بد من وضع المؤشرات لتحديد فعالية مبادرات التمويل. ونظرا لتنوع السياقات الوطنية والمحلية، فليس من الممكن وضع مؤشرات لجميع الحالات. وستحتاج كل منطقة إلى وضع أنسب الأدوات لظروفها. والطائفة البهائية الدولية تتطلع إلى الاشتراك في المناقشات حول هذه المبادرة الهامة.
التوافق بين الميزانيات الوطنية ومعايير حقوق الإنسان
وتتعلق توصيتنا الثانية إلى الحكومات بجعل الميزانيات الوطنية تمتثل للمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. فميزانية الحكومة لا تخلو من تأثر بالقيم وهي تعكس ما يسود منها في البلد من اعتبارات لقيمة الأشخاص وقيمة ما يقومون به من عمل وكيفية مجازاة ذلك العمل. وفي حين أن الميزانيات لا توضع عادة من منظور جنساني، فإن كثرة عدد المبادرات التي تراعي ذلك المنظور توحي بأن هناك تقاربا تدريجيا بين النظرتين يرمي إلى جعل العمليات الميزانوية تتمشى مع التزامات الدولة بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وهذا النوع من التحليل الجنساني يساعد على تحديد أوجه الاختلال في عمليات الميزانية ومخصصاتها ونتائجها، من المنظور الجنساني، ويقيّم مسؤولية الدولة في معالجة أوجه الاختلال التوازن تلك. بيد أن فعالية النهج القائم على الحقوق تتطلب مراعاته ليس فقط لحالة المرأة وإنما أيضا لحياتها بأكملها، من الميلاد إلى الطفولة إلى الشباب، لأن التمييز يبدأ ويتفاقم في تلك المراحل المبكرة. والنهج القائم على الحقوق ليس بدون سوابق. فقد نجحت عدة بلدان في تمكين المرأة سياسيا، وعززت معدل مشاركتها في سوق العمل، وساعدت على تيسير التوفيق بين عملها وحياتها الأسرية. وبإمكان الحكومات الاستفادة من دراسة ممارسات البلدان التي حققت بعض النجاح في معالجة هذه المشاكل التي تبدو مستعصية. ويمكن اعتبار النرويج مثالا مفيدا، إذ تصدرت ترتيب البلدان في مؤشر التنمية الجنساني، ومؤشر تمكين المرأة اللذين وضعهما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويساعد تحليل السياسات الجنسانية الفعالة والعراقيل القانونية والمؤسسية والثقافية التي تعوق اتخاذ تلك السياسات في بلدان أخرى على وضع توصيات للسياسة العامة على أساس أمثلة ملموسة.
الاستفادة من المنظور الديني وإشراك الزعماء الدينيين
كثيرا ما يحجم صناع السياسات عن النظر في الأبعاد الثقافية والدينية للمواقف التي تحكم معاملة المرأة، خوفا مما قد يسببه ذلك من انقسامات أو جهلا بكيفية التصرف أو بهوية من ينبغي الاتصال بهم. ومع ذلك ظل تحقيق المساواة بين الجنسين بطيئا بشكل مؤلم لأن بعض المسائل التي تتعلق بدور المرأة ومسؤولياتها تتحدى أكثر المواقف عمقا في النفس البشرية. ونظرا إلى ما للدين من قدرة هائلة على التأثير على الجمهور - إيجابا وسلبا - فإنه ليس بوسع الحكومات تناسي هذا الدور. وفي غياب حوار متواصل بين الحكومات والأديان، يزدهر التطرف الديني. وقد كان للأصوات الدينية الراديكالية تأثير عميق على السياسة والسياسات العامة زاد من حدته، في مناسبات مختلفة، الفقر، وعدم الاستقرار، والتغيرات الاقتصادية-الاجتماعية التي تصحب العولمة والوصول إلى تكنولوجيات المعلومات. وكان من بين ضحايا هذا التطور دور المرأة في الحياة العامة، مثلما يتضح من العودة، في بعض مناطق العالم، إلى المفاهيم الضيقة لدور المرأة في الأسرة والمجتمع والعالم. ويعزى انخفاض تمويل حقوق المرأة جزئيا إلى هذه التغيرات الاجتماعية والثقافية. ومما زاد من تعقد الأمور، أن العديد من الدول لا تزال تتحفظ على المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة متذرعة بذرائع ثقافية ودينية. واليوم، وبعد قرابة 60 سنة من اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبعد 26 سنة من سريان اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، لم يعد بمقدور الحكومات تجاهل الممارسات والنظريات الدينية التي تنتهك انتهاكا سافرا المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ويجب أن تخضع هذه الاعتبارات للدراسة والفحص. وبالرغم من هذه الحقائق الواضحة، تمثل المنظمات الدينية البعض من أقدم الشبكات وأوسعها انتشارا في العالم. وهي، في بعض البلدان التي تمزقها الصراعات، تمثل المؤسسات الوحيدة التي تزال قائمة. وفي مجالات الصحة، والبيئة، وتخفيف الديون، والمساعدة الإنسانية، تتصدر المؤسسات الدينية الجهود الرامية إلى مساعدة المحتاجين في المناطق المهملة وإلى التأثير على سياسات الحكومة. ونظرا لما للدين والثقافة من وزن هائل في تشكيل النظرة إلى دور المرأة في المجتمع، ينبغي للمنظمات والمؤسسات الدينية أن تشترك اشتراكا ذا معنى في الجهود الرامية إلى تعزيز جدول أعمال المساواة بين الجنسين. وفي حين يبدو لأول وهلة أن لغة المالية والاقتصاد لا تتوافق مع لغة الأخلاقيات والقيم (وهي لغة مشتركة بين الديانات)، فإن الحكومات والمنظمات الدينية بحاجة إلى الإلمام بمنطلقات الجانب الآخر وتصوراته، والاعتراف بأنها لها صلة بنفس الواقع. وليس من الممكن إقامة نظام اقتصادي عادل بدون توافق بين القيم التي يقوم عليها؛ كما أنه لا وجود للمفاهيم الأخلاقية والقيَمية بمعزل عن الظروف الاقتصادية. إن بإمكان الحكومات، إذا ما اعتمدت منظورا طويل الأجل، وسعت إلى التوفيق بين الميزانيات الوطنية والالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتعاونت مع الجهات الدينية، أن تعبئ الموارد المؤسسية والثقافية والقانونية التي تيسر الجهود الرامية إلى تمويل المساواة بين الجنسين. بيد أنه ينبغي ألاّ يغيب عن الأذهان أن النهوض بالمرأة ليس امتيازا أو عملية تقنية أو عصا سحرية. إنه جزء من عملية أوسع ترمي إلى تهيئة مجتمع منظم تلتزم فيه العلاقات بين الرجل والمرأة، والوالدين والأطفال، والعمال وأرباب العمل، والحكام والمحكومين، بمبادئ العدالة ويسعى فيه الجميع إلى تحقيق تطلعات الإنسانية في أسمى معانيها.